book

بشتاشان

الشهادة أو الرواية التي يُحيك عبد الحسين شعبان حروفها بخيط من حرير، وهو أحد الناجين من مجزرة بشتاشان، لا تستهدف نكء الجراح أو إثارة الأحقاد والضغائن والثأر، بقدر ما تسعى إلى كشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات ومعرفة الأسباب والدوافع لجبر الضرر وتعويض الضحايا، وإعادة بناء العلاقات الوطنية على أسس سليمة وأخلاقية وإنسانية، وهو ما عمد إليه في إعادة قراءة ما حصل كمفكر وكاتب وناقد.وعلى الرغم من مرور أربعة عقود من الزمن على تلك الواقعة الأليمة، إلّا أن ما عُرف عنها، لم يكن سوى "إشارات غامضة" و "شذرات ونُتف" من أحاديث متناقضة ومسموعات مبهمة ومرويات مبتورة بقصد أو دون قصد، والأمر لا يتعلّق بالتباين والاختلاف في الموقف بين المرتكب والضحية، بل انتقل ليشمل طائفة من الشخصيات القريبة والبعيدة من مسرح الحدث وشهوده، حيث ظلّت الصورة غائمة وضبابية.رواية شعبان الدقيقة والتفصيلية تنطلق من تحليل ما حصل بقلب حار وعقل بارد، وهي لا تهمل الجزئيات في تناول الكليات، ولذلك فإنها تدوّن وقائع المجزرة، التي لم تكن قضاءً وقدرًا، أو نجمت جراء زلزال أو كارثة طبيعية كي تختفي آثار الضحايا وقبورهم، بل كانت بفعل فاعل دبّر بليل حالك الظلام.إنها شهادة للتاريخ، حتى وإن كان هذا الأخير ماكرًا.